فصل: مسألة يشتري المدبر وهو لا يعلم فيموت عنده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة مدبر عجل له سيده بالعتق:

وسئل عن مدبر عجل له سيده بالعتق على أن يعطيه عشرة دنانير إلى شهر ثم مات السيد وترك مالا أيعتق المدبر في ثلثه وتسقط العشرة؟ قال: لا، وهي له لازمة.
قيل له: فإن أفلس العبد؟ قال: لا يحاص السيد بالعشرة، والغرماء يبدؤون عليه، وقاله أصبغ كله والعطية بتعجيل الحرية وقد تم له واتبع به ولو طرقه دين.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن الحرية قد وجبت للمدبر قبل موت سيده بما قاطعه عليه من العشرة إلى أجل، فلا تسقط عنه بموت سيده وإن كان ثلثه يحمله، ولا محاصة للسيد بها، إذ ليست بدين ثابت عليه، وإنما هي كالقطاعة ليس للسيد أن يقاص بها غرماء المكاتب، وبالله التوفيق.

.مسألة المولى عليه يدبر عبده:

قال أصبغ وسمعت ابن القاسم وسئل عن المولى عليه يدبر عبده.
قال: لا يجوز تدبيره وإن حسنت حاله، ولا يلزمه، كان ذلك المال واسعا أو غير واسع، وإنما هو بمنزلة العتق، وكذلك قال مالك في العتق، قال ابن القاسم: والعتق لا يجوز منه قليل ولا كثير كان ماله واسعا أم لا.
قال محمد بن رشد: في المدونة لابن القاسم مثل قوله في هذه الرواية إن تدبيره بمنزلة عتقه، لا يجوز منه القليل ولا الكثير، كان ماله واسعا أو غير واسع، وقال ابن كنانة فيها: إن، كان ليس له غير ذلك العبد الذي دبر لم يجز تدبيره، وإن كان ماله واسعا ليس ذلك العبد بالذي يجحف بماله كان ذلك له وجاز، قال: وإن دبر عبدا هو وجه رقيقه أو أكثرهم ثمنا أو جارية مرتفعة هي جل ماله فإن ذلك لا يجوز، ولو كان ذلك جائزا عليه كان إذا بلغ حال الرضى قد حبس عليه من ماله بما صنع في حال الشحطة مالا يقدر أن ينتفع به إذا بلغ حال الرضى فليس يجوز له من ذلك إلا ما وصفنا.
وقول ابن القاسم هو القياس، وما ذهب إليه ابن كنانة استحسان، وبالله التوفيق.

.مسألة يدبر عبده في الصحة ويستثني ماله:

قال أصبغ وسمعته يقول في الرجل يدبر عبده في الصحة ويستثني ماله: لا بأس بذلك، وكذلك رويت عن مالك أن له أن يستثنيه ولا بأس بذلك، وقاله أصبغ، وتفسيره أن يستثنيه لبعد الموت إذا أعتق ليس استثناء انتزاع عن التدبير، وبعده ذلك يكون له استثناه أو لم يستثنه ولكن لبعد الموت وهو مقر في يديه مع ما يفيد إلى ذلك على ذلك دبر واستثنى فذلك جائز وذلك له، قال أصبغ: قال ابن القاسم: فإذا مات السيد قوم في الثلث بغير ماله ببدنه خالصا وأخذ منه كل ما كان بيديه، وكان مالا من مال الميت تقوم فيه رقبته مع غيره من مال الميت، وقاله أصبغ: قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وهذا مما لا شك وإنما هو رجل أوصى فقال: إذا مت فعبدي فلان حر وخذوا منه ماله، ألا ترى لو أن مريضا قال في مرضه: غلامي مدبر وخذوا منه ماله أخذ منه، فما استثنى في الصحة بمنزلة ما استثنى في المرض، ولأنه حين اشترط ذلك عليه حين دبره في الصحة وكأنه انتزاع منه له في موضع يجوز له فيه انتزاع.
قال محمد بن رشد: قد تقدمت هذه المسألة والكلام عليها في أول سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة مكاتب اشترى مدبرة فحملت:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن مكاتب اشترى مدبرة فحملت قال: أرى أن يوقف عنها، فإن أعتق المكاتب كانت أم ولد له، وإن عجز ردت إلى التدبير ورد الثمن إلى صاحبه، وكانت هي وولدها مدبرين لسيدهما، وأرى الثمن يوقف إلا أن يكون البائع مليئا.
قال محمد بن رشد: هذا على القول بأن أمة المكاتب تكون أم ولد له إذا أفضى إلى الحرية بما ولدت له في حال الكتابة قبل إفضائه إلى الحرية أو بما حملت به منه في حال الكتابة فوضعته قبل إفضائه إلى الحرية وبعد إفضائه إلى الحرية وأما على القول بأنه لا حرمة بإيلاده إياها ولا تكون بشيء من ذلك كله أم ولد، فإن البيع يتنقض فيها وترد إلى سيدها البائع لها على ما كانت عليه من التدبير.
وقد اختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه لا تكون له أم ولد بشيء من ذلك، والثاني: أنها تكون له أم ولد وإن كان الحمل قبل الشراء إذا كان الوضع بعده في حال الكتابة، والثالث: أنه لا تكون له أم ولد إلا أن يكون أصل الحمل بعد الشراء في حال الكتابة، وأما ما ولد له قبل الشراء فلا تكون له أم ولد إلا على مذهب أبي حنيفة، وبالله التوفيق.

.مسألة يهب مدبره جاهلا ويقبضه الموهوب له ويحوزه ثم يموت السيد ولا مال له:

وسئل أشهب عن الرجل يهب مدبره جاهلا ويقبضه الموهوب له ويحوزه ثم يموت السيد ولا مال له غيره.
قال: يعتق ثلثه، قلت فالثلثان الباقيان لمن هما؟ قال: للموهوب اللذان هما في يديه، قال أصبغ: وكذلك قال لي ابن القاسم فيها.
قال محمد بن رشد: قد تقدم مثل هذا من قول ابن القاسم في رسم الجواب من سماع عيسى من كتاب الصدقات والهبات في الصدقة، ومعناه إذا لم يعثر على ذلك حتى مات المتصدق، وأما لو عثر على ذلك في حياته لفسخت الهبة أو الصدقة، رد المدبر إلى الذي دبره؛ لأن المدبر لا يجوز بيعه ولا هبته ولا صدقته.
ولو وهبه ما رق منه إن لم يحمله الثلث وخدمته من الآن فقبضه وجازه من الآن لجاز ذلك ولم يرد، وكان للمتصدق عليه بعد موته ما رق منه؛ لأن هبة المجهول جائزة كما يجوز رهنه لجواز رهن الغرر ويكون المرتهن إذا حازه أحق به من الغرماء بعد الموت يباع له دونهم على ما قاله في المدبر من المدونة، والله الموفق.

.مسألة يشتري المدبر وهو لا يعلم فيموت عنده:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري المدبر وهو لا يعلم فيموت عنده: إن مصيبته منه ولا يرجع على البائع بشيء لا بالثمن ولا بما بين القيمتين، وكذلك قال مالك، وقاله أصبغ وقاله ابن وهب عن مالك.
قال محمد بن رشد: لابن القاسم في سماع محمد بن خالد من كتاب الولاء أنه يرجع على البائع بما بين قيمته مدبرا وقيمته غير مدبر، وهو الذي يأتي على أصله في المدونة؛ لأنه قال فيها: إذا حدث عند المبتاع به عيب فرده وما نقص العيب عنده على حكم البيع المردود بالعيب خلاف ظاهر هذه الرواية قول ابن نافع واختيار محمد بن خالد في سماعه فيما لم يعلم به من المال على القول بأن المدبر في المرض يدخل فيما علم به الميت من المال وفيما لم يعلم، ولا يكون له حكم التدبير في اللزوم له، ويصدق إن رجع عنه في أنه أراد به الوصية، وفي إعمال شهادة الشهود بما ظهر إليهم من قصد المشهود عليه اختلاف، أعملها في هذه الرواية وفي رسم الطلاق من سماع أشهب من كتاب التخيير والتمليك، ولم يعملها في رسم الكبش من سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق.

.مسألة دبر عبدا فأبق العبد ومات السيد وأوصى بوصايا:

ومن كتاب الوصايا:
قال: وسئل ابن القاسم عن رجل دبر عبدا فأبق العبد ومات السيد وأوصى بوصايا.
قال: يوقف من الثلث قدر قيمته حتى ينظر في شأنه، فإن مات في إباقه ذلك ردت تلك الدنانير على أصحاب الوصايا إن كان بقي لهم شيء أو الورثة.
قيل له: إلى متى يوقف ذلك؟ قال: ينظر إلى قدر ما أتى عليه من السنين وما يعيش مثله، قال أصبغ: مسألة جيدة دقيقة من المسائل في بعض وجوهها جامعة.
قال محمد بن رشد: قوله يوقف من الثلث قدر قيمته حتى ينظر في شأنه فيه نظر، وإنما ينبغي أن ينظر، فإن كان يخرج المدبر وجميع الوصايا من الثلث بعد عتق المدبر ودفع إلى أهل الوصايا وصاياهم وأخذ الورثة بقية المال ولم يوقف شيء فإن كان المدبر حيا فقد أنفذت له الوصية وإن كان ميتا فقد سقطت فيه الوصية، والوصايا قد حملها الثلث فأنفذت وأما إن كان الثلث لا يحمل إلا الوصايا أو المدبر وتمثيل ذلك أن يكون الموصي قد ترك من المال مائتي دينار والمدبر الآبق وقيمته مائة دينار وأوصى بمائة دينار فإن كان المدبر حيا فقد عتقه وسقطت الوصايا لأن ثلث الميت قد استغرقه المدبر وكانت المائتان للورثة ميراثا وإن كان المدبر ميتا وجب لأهل الوصايا ثلث المائتين وذلك ستة وستون وثلثان؛ لأن المدبر إذا مات فكأنه لم يكن، فالواجب أن يوقف على هذا التنزيل ثلث المائتين، فإن انكشف أن المدبر حي كان الثلث الموقف للورثة، وإن كان ميتا كان لأهل الوصايا، وأما قوله إنه يوقف قيمة المدبر فليس ببين ولا صحيح، وبالله التوفيق.

.مسألة السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به:

وسئل عن مكاتب دبر عبدا له فعلم السيد بذلك فلم ينكر عليه حتى عجز.
قال: لا تدبير له إلا أن يكون أمره بتدبيره، وليس السكوت والعلم شيئا.
قال محمد بن رشد: اختلف في السكوت هل يعد إذنا في الشيء وإقرارا به أم لا؟ على قولين مشهورين في المذهب منصوص عليهما لابن القاسم في غير ما وضع من كتابه أحدهما قوله في هذه الرواية وفي سماع عيسى من كتاب النكاح والصلح أنه ليس بإذن والثاني أنه إذن، وهو قوله في رسم العرية من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، ورسم أسلم من سماع عيسى من كتاب النكاح، وأظهر القولين أنه ليس بإذن؛ لأن في قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «والبكر تستأذن وإذنها صماتها» دليلا على أن غير البكر خلاف البكر في الصمت، وقد أجمعوا على ذلك في النكاح، فوجب أن يقاس ما عداه عليه إلا ما يعلم بمستقر العادة أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فلا يختلف في أن السكوت عليه إقرار به كالذي يرى حمل امرأته فيسكت ولا ينكر ثم ينكره بعد ذلك وما أشبه ذلك، وقد مضى هذا المعنى في المواضع المذكورة وفي غيرما موضع من كتابنا هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة دبر عبده فمات السيد فجهل الورثة فباعوه:

من سماع أبي زيد ابن أبي الغمر من ابن القاسم قال أبو زيد: وسئل ابن القاسم عن رجل دبر عبده فمات السيد فجهل الورثة فباعوه ثم مات في يد المشتري أو هو قائم بعينه وكان الذي اشتراه به غنما فتوالدت وكثرت.
قال ابن القاسم: أما العبد فإن كان قائما بعينه رد فإن كان للميت مال يعتق فيه أخرج في ثلثه عتيقا، وإن كان ليس له مال يخرج من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث ورق ما بقي، وكان المشتري بالخيار فيما رق منه إن شاء تمسك بما رق منه إن كان نصفه دفع إلى الورثة نصفه وأخذ نصف قيمة الغنم يوم قبضت منه، وأما الغنم فهي للورثة ليس له منها شيء، إنما يرجع عليهم بقيمتها يوم قبضت منه إن لم يخرج العبد كله كان بالخيار في ما بقي منه على ما بينت لك. وإن مات العبد ولسيده أموال، المذكور من كتاب الولاء أنه لا يرجع على البائع بشيء، فيحتمل أن يكون معنى قوله في هذه الرواية: وهو لا يعلم، أن لا يعلم بأن بيع المدبر لا يجوز، لا أنه لم يعلم أنه مدبر، فلا يكون على هذا اختلاف من قول ابن القاسم في أن المبتاع يرجع على البائع، وقد مضى في أول الرسم تحصيل القول فيما يلزم البائع في الثمن، وقد كان القياس على المذهب إذا اشتراه وهو يعلم أنه مدبر ففات عنده بموت أن تكون عليه قيمته؛ لأنه بيع فاسد لعقده فات الرد فيه بالموت على القول بأن البيع الفاسد لعقده إذا فات يرد إلى القيمة ولا يمضي، بالثمن، وإن حملت هذه الرواية على ظاهرها من أنه لا رجوع للمشتري على البائع بشيء إذا مات المدبر عنده وإن كان اشتراه وهو لا يعلم بتدبيره فيأتي مثل قول ابن نافع في كتاب الولاء وخلاف مذهبه في المدونة وخلاف ما في المدونة أيضا في أن البائع يلزمه أن يتمخى مما أخذ زائدا على قيمته على الرجاء. والخوف؛ لأنه إذا لم يجب للمبتاع عليه رجوع إذا دلس له بالتدبير فمات عنده لا يجب عليه هو أن يتمخى من شيء من الثمن، وبالله التوفيق.

.مسألة المدبر في المرض أيدخل في المال الغائب الذي لم يعلم به الميت:

قال أصبغ: سئل ابن القاسم عن المدبر في المرض أيدخل في المال الغائب الذي لم يعلم به الميت؟ قال: نعم، قلت فالعتق بتلا؟ قال: لا.
قال محمد بن رشد: قوله إن المدبر في المرض يدخل فيما علم الميت من المال وفيما لم يعلم هو ظاهر ما في رسم جاع من سماع عيسى من كتاب الديات، ومثل نص قوله في المدنية من رواية عيسى عنه خلاف مذهبه في المدونة من أنه لا يدخل فيما لم يعلم به الميت من المال إلا المدبر في الصحة، فعلى هذه الرواية إذا اجتمعا بدئ المدبر في المرض على المبتول فيه، وقد قيل إنهما يتحاصان وقيل أيضا إنه يبدأ المبتول في المرض، فعلى هذا القول يدخل المبتول في المرض فيما لم يعلم به الميت من المال، فإن اجتمعا جميعا على القول بأنه لا يدخل المبتل في المرض في المال الذي لم يعلم به الميت، وللميت مال قد علم به ومال لم يعلم به فثلث المال الذي علم به يقصر عن قيمتهما قوما جميعا في ثلث المال الذي علم به، ثم أكمل عتق المدبر منهما في ثلث المال الذي لم يعلم به أو ما حمل منه زائدا إلى ما أعتق منه مع المبتل في ثلث المال الذي علم به، مثال ذلك أن يترك المتوفى ثلاثين دينارا ومدبرا في المرض قيمته ثلاثون دينارا أو مبتلا فيه قيمته ثلاثون دينارا أيضا ويطرأ له ثلاثون دينارا لم يعلم بها الميت، فجميع مال الميت الذي علم به على هذا تسعون، الثلث من ذلك ثلاثون فيعتق من حل واحد منهما نصفه بخمسة عشر، ثم يرجع المدبر فيقول لي ثلث الثلاثين التي طرأت للميت، فيعتق منه بعشرة زائدا إلى ما أعتق منه مع المبتل، فيكمل فيه من الحرية خمسة أسداسه.
ولو كان المال الذي طرأ للميت خمسة وأربعون فأكثر لعتق باقيه في ثلث ذلك، ولو كان المال الذي علم به الميت ستين، والمال الذي طرأ له ثلاثون لعتق من كل واحد منهما في ثلث ما علم به الميت من المال ثلثاه؛ لأن جميع المال الذي علم به الميت مع قيمة المدبرين مائة وعشرون، الثلث من ذلك أربعون، فيعتق من كل واحد منهما بعشرين، ثم يرجع المدبر فيستتم باقيه في ثلث المال الطارئ، وبالله التوفيق.

.مسألة قال في مرضه إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر:

ومن كتاب الوصايا:
قال ابن القاسم في رجل قال في مرضه: إن مت من مرضي هذا فغلامي مدبر.
قال: إن مات فيه فهي وصية وليس تدبيرا وإن عاش فهو أيضا وصية يصنع بها ما شاء إلا أن يكون أراد بذلك تدبيرا واجبا ساعته مثل أن يكون تعمد التدبير عند الوصية وأخطأ وجه الكتاب والوصية فظن أن ذلك وجه الصواب والمأخذ وأنه التدبير، قال أصبغ: فهو تدبير حينئذ، أو يرى الشهود أنه إنما أراد التدبير ويقطعون ذلك فيما يرون، أو يوقف قبل موته ويسأل عن ذلك فيذكر أنه أراد التدبير، والقول قوله لما يذكر من إرادته.
قال محمد بن رشد: قوله إن مات فهي وصية يريد أن له حكم الوصايا في التبدئة وفيما لا يدخل فيما لم يعلم به من المال، وفي أن له أن يرجع عنه في مرضه ذلك إن شاء.
وقوله: إن عاش فهي وصية يريد إن كان كتب ذلك في كتاب ووضعه عند غيره أو أبقاه عند نفسه على اختلاف قول مالك في ذلك، وأما إن لم يكتب ذلك في الكتاب فالوصية باطلة إن لم يمت من مرضه ذلك حسبما مضى من تحصيل ذلك في أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، وقد قيل: إنه تدبير لازم لا رجوع له، حكى ذلك ابن المواز عن ابن القاسم، ومثله في كتاب ابن سحنون لابن القاسم ولابن كنانة، وقال أصبغ: إن أراد به التدبير مثل قوله بلفظ وقول ابن القاسم في هذه الرواية، ولكلا القولين وجه؛ لأنه لفظ بلفظ التدبير وعلقه بموته من مرضه ذلك.
والذي أقول به في هذا أنه إن مات من مرضه ذلك كان مدبرا على ما قال، يكون له حكم التدبير من التبدئة. والدخول مأمونة من دور وأرضين فهو حر ويلزمه رد قيمة الغنم إلى المشتري، وإن كان لا يخرج إلا بعضه رد بقدر ما يخرج منه، وما بقي كانت مصيبته من المشتري، وإن كان موته بعد زمان واقتسمت الأموال على أمانة لو كان بأيديهم كان حرا رأيت للمشتري أن يرجع فيما يأخذ قيمة الغنم من الورثة وتكون مصيبته منهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة صحيحة على ما قال؛ لأن العتق قد وجب للمدبر بموت سيده إن حمله الثلث أو ما حمل منه، فإذا باعه الورثة وعثر عليه قبل أن يموت وجب أن يرد ويعتق في ثلث الميت إن حمله الثلث، ويأخذ المبتاع غنمه إن كانت قائمة أو قيمتها إن كانت قد فاتت، والولادة فيها فوت لأنها تفوت في هذا بما يفوت به البيع الفاسد من حوالة الأسواق فما فوق ذلك، وإن لم يحمل الثلث عتق منه ما حمل الثلث ورجع بقدر ذلك من قيمة الغنم إن كانت فاتت، وكان بالخيار فيما رق منه إن شاء تمسك به وإن شاء رده ورجع بجميع قيمة الغنم يوم وقع البيع فيها.
وإن مات العبد عند المشتري ولسيده أموال مأمونة كانت مصيبته من الورثة، ورجع المشتري عليهم بجميع قيمة الغنم لفواتها بالولادة؛ لأن الحرية تجب له بموت سيده إن كانت له أموال مأمونة، وإن لم تكن له أموال مأمونة وكان موته بحدثان بيعه قبل النظر في مال الميت فمصيبته من المشتري وينفذ بيعه، قاله ابن المواز، وهو مفسر لقول ابن القاسم، وإن كان موته بعد طول فمصيبته من الورثة إن علم أنه كان يخرج من الثلث ويرجع المبتاع عليهم بجميع قيمة الغنم، وإن علم أنه كان لا يخرج منه في الثلث إلا بعضه رجع على الورثة من قيمة الغنم بقدر ما كان يحمل الثلث منه، وكانت مصيبته باقية من المبتاع، هذا معنى قول ابن القاسم في هذه الرواية، وبالله التوفيق.

.مسألة قال في مرضه جاريتي مدبرة عن ولدي إن حدث بي حدث فصح:

وسئل عن رجل قال في مرضه جاريتي مدبرة عن ولدي إن حدث بي حدث فصح.
قال فلا شيء عليه، ولا تكون مدبرة عن ولده، ولو قال في مرضه جاريتي مدبرة ولم يستثن شيئا ولم يقل إن مات من مرضه إلا قال مدبرة فقط، قال فهي مدبرة وإن صح من مرضه ذلك.
قال محمد بن رشد: أما الذي قال في مرضه جاريتي حرة إن حدث بي حدث فصح من مرضه فبين أنه لا شيء عليه كما قال؛ لأنها وصية بتقييده إياها بذلك المرض، فيبطل إذا صح منه إلا أن يكون كتب بذلك كتابا ووضعه عند غيره أو أمسكه عند نفسه على اختلاف في ذلك حسبما بيناه في رسم الوصايا من سماع أصبغ قبل هذا، وسواء قال في ذلك عن ولده أو لم يقل، الأمر في ذلك سواء إذا صح من مرضه ذلك، وإنما يفترق ذلك إن مات منه، فإن لم يقل عن ولدي أعتق بعد موته من ثلثه، قيل على حكم الوصية، وقيل على حكم التدبير حسبما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم الوصايا من سماع أصبغ، وإن قال: عن ولدي فقيل: تعتق بموته من ثلثه، وقيل: تعتق بموت ابنه من رأس المال، والولاء للابن على كل حال حسبما مضى بيانه في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وبالله التوفيق.

.مسألة قال لغلامه أنت مدبر عن أبي:

وقال في رجل قال لغلامه أنت مدبر عن أبي: فإنه سواء كان أبوه حيا أو قد مات أبوه حين قال ذلك لا يعتق إلا بعد موت سيده الذي دبره عن أبيه ولا يعتق عند موت أبيه إلا أن يقول العبد عن دبر من أبي، فإن كان أبوه قد مات كان حرا الساعة قال وإن كان أبوه حيا فإنما يعتق إذا مات أبوه، وولاؤه لأبيه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه الرواية خلاف ما تقدم من قوله في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وقد مضى الكلام على ذلك هنالك وبالله التوفيق لا شريك له.
تم كتاب المدبر بحمد الله تعالى وحسن عونه.

.كتاب المكاتب:

.مسألة قطاعة المكاتب على أن يضع عنه ويعجل له:

كتاب المكاتب من سماع ابن القاسم من مالك من كتاب قطع الشجر قال: أخبرنا سحنون قال ابن القاسم: قال مالك فيمن قاطع عبده: إنه إن جاء به إلى الأجل أو ما أشبهه فذلك له، وإلا أخر العبد شهرا ونحوه كما يؤخر الغريم، فإن جاء به وإلا فلا قطاعة له.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، وهو مثل ما في المدونة وغيرها أنه يتلوم له في القطاعة كما يتلوم له في الكتابة إذا عجز عن أدائها، وسواء كان المقاطع عبدا على ظاهر هذه الرواية أو مكاتبا؛ لأن قطاعة المكاتب على أن يضع عنه ويعجل له جائزة لأنه يتعجل العتق بذلك، وليست الكتابة بدين ثابت فيدخله ضع وتعجل.
وأما مقاطعته على أن يؤخره بالكتابة ويزيده فيها فاختلف في ذلك إذا لم يعجل عتقه، والقولان في المدونة، أجاز ذلك في كتاب المكاتب، ولم يجزه في آخر كتاب الحوالة.
وقوله فإن جاء به وإلا فلا قطاعة عليه معناه لا قطاعة له لأن حرف الجر قد تبدل بعضها من بعض، قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أي عليها، فإذا بطلت قطاعته بالحكم بتعجيزه بعد التلوم له بقي على ما كان عليه من الكتابة إن كان مكاتبا حتى يعجز عن أداء كتابته عند حلولها، وعلى ما كان عليه من الرق إن كان عبدا، وقيل: إنه إن كان مكاتبا فعجز عن المقاطعة التي قوطع عليها رجع رقيقا، وهو الأظهر؛ لأن القطاعة في الكتابة إنما معناها فسخ الكتابة والانتقال عنها إلى القطاعة، وفي قوله وإلا أخر شهرا أو نحوه كما يؤخر الغريم نص منه على لزوم الحكم بتأخير الغريم إذا أعسر بالدين بعد حلول الأجل على ما مضى عليه الحكم عندنا بفتوى جميع الشيوخ من أن يؤجل الغريم بعد حلول الأجل إذا أعسر بالدين ولم يكن عنده ناض إلا أن يبيع عروضه بالاجتهاد على قدر قلة المال وكثرته بحميل يقيمه في ذلك، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في الحال إذا لم يعامله الغريم على ذلك خلاف ما كان يفتي به سائر فقهاء الأمصار بالأندلس من التوكيل عليه في بيع ماله وتعجيل إنصافه، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري كتابة المكاتب أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده:

وسئل مالك عن الذي يشتري كتابة المكاتب أيقاطعه بالذهب كما يقاطعه سيده؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأن مشتري الكتابة بما يجوز اشتراؤها به مما يصح اشتراء الديون به يحل محل البائع في أنه يرثه إن مات، وتكون له رقبته إن عجز، فكذلك يحل محله في جواز مقاطعته إياه وإن مات وعليه دين أو فلس لم يحاص الغرماء بما قاطعه به، قال ذلك مالك في كتاب ابن المواز لأنه ينزل في ذلك منزلة سيده الذي كاتبه.
وجواز شراء كتابة المكاتب عند مالك وأصحابه أمر متبع لا يحمله القياس؛ لأنه غرر، وقد روي عن ابن القاسم أنه قال: بلغني أن ربيعة وعبد العزيز قالا: بيع كتابة المكاتب غرر لا يجوز؛ لأنه إن عجز كانت له رقبته، وإن أدى كان ولاؤه للبائع الذي كاتبه، ووقع قول ربيعة في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الجامع من رواية ابن القاسم عن مالك عنه، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة أن بيع كتابة المكاتب لا يجوز، وبالله التوفيق.

.مسألة مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه من كتابته في مرضه:

وسئل مالك عن مكاتب وضع عنه سيده ثلث ما عليه من كتابته في مرضه، ثم إن المكاتب عجز عن أداء الكتابة، قال: قد عتق ثلثه.
قال محمد بن رشد: معناه أنه مات من مرضه ذلك فعجز بعد موته؛ لأن وضع ثلث كتابته عنه في مرضه كالوصية له بعتق ثلثه، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه، وأما لو صح من مرضه فعجز في حياته لم يعتق عليه منه شيء، وكذلك لو أعتق ثلثه في صحته ثم عجز لم يعتق عليه منه شيء؛ لأن عتقه لما أعتق منه إنما هو وضع لما عليه من الكتابة وليس بعتق إذ ليس بمالك لرقبته، وإنما يملك منه كتابته، وكذلك إن كان المكاتب بين اثنين فأعتق أحدهما حظه منه، ثم عجز في نصيب صاحبه لم يعتق على المعتق حظه منه في قول مالك وجميع أصحابه، وفي ذلك اختلاف بين السلف ذكره في المدونة عن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: إن الناس قد اختلفوا في حظ المعتق منه إذا عجز، فقال ناس: يكون له حظه منه إذا عجز؛ لأنه لم يعتق له رقا وإنما ترك له مالا، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد بين الرجلين لا يجوز لأحدهما أن يكاتب نصيبه منه بإذن شريكه:

ومن كتاب الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل مالك عن عبد كان بين ثلاثة إخوة فكاتبه اثنان منهما بإذن أخيهما شريكهما فيه، وكان على كتابته، ثم إن اللذين كاتباه قاطعاه بإذن شريكهما الذي له فيه الرق وعتق نصيبهما، ثم إن الذي بقي له فيه الرق مات ورثه ورثته وخدمهم في نصيبه سنين، ثم قيل له ذلك تقوم على الذين قاطعاك.
قال مالك: أراه رقيقا ولا ينفعه ما كاتباه به بإذن شريكهما ولا مقاطعتهما إياه دون شريكهما.
قيل له: إنه قد أذن لهما؟ قال: لا ينفعه ذلك وأراه رقيقا، قال لي قبل ذلك: ويردان ما أخذا منه فيكون بينهم.
قال محمد بن رشد: هذا بين على مذهبه في أن العبد بين الرجلين لا يجوز لأحدهما أن يكاتب نصيبه منه بإذن شريكه ولا بغير إذن شريكه، فإن فعل فسخ ولم يجز، وإن لم يعثر عليه حتى أدى ما كوتب عليه كان ما قبض بينهما، وكان العبد رقيقا لهما، وقد قال في موطأه: إنه الأمر المجتمع عليه عندهم؛ لأنه خلاف لما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه قيمة العدل» الحديث، ولا فرق في هذا بين أن يقبض الشريك ما كاتبه عليه أو يقاطعه على ذلك فيقبض ما قاطعه عليه، ولا فرق أيضا بينهم وبين ورثتهم فيما يجب من فسخ الكتابة، فالمسألة بينة لا إشكال فيها، وبالله التوفيق.